الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

ذكريات حرب غزة المريرة

ذكريات الحرب المريرة


في هذا اليوم الذي أستعيد بهِ نفسيتي التي حطمتها حرب لا تعرف سوى القتل والدمار والظلم الإنساني الفريد من نوعه , تلك الحرب اللعينة التي قلبت حياتنا رأساً على عقب , ذهبنا حفاظاً على أرواحنا كنوع من البشر إلى مدرسة تحوي أرواحنا , كنا نعتقد ذلك , وفي أول يوم لتواجدي في مدرسة غزة الجديدة التابعة للوكالة , في ليلة لم أستطيع التحرك بها من تلك الغرفة لأن أي حركة خارج تلك الغرفة سوف تهدد حياتك وحياة من حولك للخطر فسينزل صاروخ لا تعرف من أي اتجاه يأتي هذا الصاروخ اللعين من طائرة تسمى " الزنانة " ليمزقك ويحرقك ويلغي ملامحك كلياً , لم نصدق تلك الدعابة التي قالها موظفي الأنوروا لأنه ليس من المعقول أن تضرب تلك الطائرات الملعونة أي هدف يتحرك في مدرسة يأتون الأطفال والشيوخ والنساء والشباب هرباً من موت محتوم! , فالمدرسة لا تعني لهم شيئاً فالغبي يعلم أن من سيقاوم لن يقاوم في مدرسة وكالة بها ألاف الأشخاص المستغيثين المرعوبين! , الذي هرب من بيته وهو هارب قُتل طفله أو أباه أو أمه أو زوجته أو ماتوا جميعاً! , لم أصدق أن الاحتلال الصهيوني غرضه قتل الأطفال والشيوخ والنساء والمدنين وأن هدفه هو قتل أكبر عدد ممكن من المدنين , ولكن سرعان ما تيقنت من ذلك والغريب في الموضوع أني صدقت بسرعة وبمفاجأات سريعة جعلتني أصدق! , كنت في غرفة ذهبت إليها أنا وطارق عند عبد القادر وإحسان ورياض وعمي أبو رياض والأطفال ولحسن الحظ لم تأتي النساء , فجاء عمر وهبه ورنين ومجد ومحمد إلى المدرسة , ولولا توتر الوضع لجاء الجميع , ولكن الحظ حالفهم فقد انتشرت حالة الرعب في غزة كأنها مدينة أشباح فلا تستطيع أن تخرج بعد الخامسة مساءاً خارج باب غرفتك , ومن يخرج يموت بسقوط صاروخ على الفور , كما قلت لكم لم أصدق ما وصفتها بالدعابة التي قالها موظفي الوكالة وخرجنا أنا وعبد وطارق وإحسان بعد أن تجمدنا من البرد فلم يكن لدينا أي شيء غير ملابسنا الرقيقة بالنسبة لتلك الليلة فلم أرى ولم أشعر في حياتي بالبرد كتلك الليلة , خرجنا لنزور أهلي وعمي علاء في المدرسة التي تجاورنا , وفعلاً ذهبنا من باب خلفي دون أن يرانا أحد من الموظفين ومشينا بجوار جدران المدرسة لكي نصل إلى المدرسة المجاورة التي لا يفصل بينها إلا جدار , وفعلاً مشينا وقد بدأ الرعب يدب في قلوبنا حيث أنها فعلاً كانت كمدينة أشباح صوت الطائرات في الأجواء بشكل قريب جداً ولا يوجد أي بشر في الشوارع والكل في بيته نائم ولا منزل يوجد بهِ كهرباء فالظلام دامس والجو بارد جداً والطائرات كثيفة وصوت قصف في كل مكان , وفعلاً وصلنا إلى المكان بعد أن مشينا مسافة ليست بالقليلة فقد اضطررنا أن نلف مسافة كبيرة لأننا مشينا من الباب الخلفي لكن الباب الرئيسي لم يكن يبعد إلا بعض الخطوات عن باب مدرسة أهلي , وعند وصولنا جلسنا نتكلم في غرفة والأطفال نائمون على حرام مفروش على الأرض وحرام أخر فوقهم ولا يمتلكون غيرهم , وفعلاً تسلينا قليلاً معهم وجلسنا معهم مدة الساعة ونص وقد اتصل يومها خالي بهاء على عبد القادر لكي يطمئن على الوضع وفعلاً وصفهُ عبد الحال بالتفصيل ووضعه في صورة المعاناة التي عانينها في ذلك التشرد , وبعد الساعة والنصف التي قضيناها معهم , كانت مهمة الذهاب إلى المدرسة الأخرى التي حجزنا غرفتنا بها , وفعلاً مهمة ليست سهلة فليس هناك أسهل من أن تضربنا الزنانة بصاروخ يمزقنا إرباً ويقضي علينا ونتحول إلى فتات من العظم واللحم , ونحن خارج المدرسة وليس للوكالة أي دخل فقد تم التحذير وأيضاً نحن خارج المدرسة ولسنا بأمان ولا يوجد أي وكالة مسئولة عنا خارج المدرسة , وفعلاً ذهبنا ومشينا مسافة طويلة لكي نصل ونحن في الطريق كنا ننتظر ذلك الصاروخ الذي سيمزقنا فلم يكن لدينا أي أمل أن نضل سالمين أو حتى أمل في الحياة , وكان الباب الرئيسي مغلق فكان يجب أن نذهب إلى الباب الخلفي , فمشينا مسافة طويلة لكي نصل إلى الباب الخلفي وأيادينا على قلوبنا , ولا أعلم لماذا بعدت المسافة أكثر من ما هي سابقاً فقد أحسسنا بطول الطريق كغير عادتها , ووصلنا إلى الباب الخلفي ونحن بسلام , يا إلهي ما هذا مشينا تلك الطريق وها نحن نصل إلى باب غرفتنا سالمين , لنجد عمي أبو رياض الذي يبلغ من العمر أكثر من 60 عاماً يجلس على بنك ويضع رأسه عليه , ولم يكن نائماً فمن سينام في ذلك الجو استيقظ علينا بسرعة , فلم يكن نائم , أما رياض " أبو أحمد" فكان نائم عند الأولاد , وأحمد وخالد كانوا نائمين على بنك ويرجفون من البرد , وتجمدت عروقنا من البرد وأصبحت أسنانا تطرق في بعضها من البرد ووضعنا عدة بنكين بجوار بعض واستلقينا عليهن أملاً في النوم , ولكن هيهات أن تنام في ذلك البرد الشديد وذلك المكان البائس , ليلة لا تنسى , ذهبنا أنا وعبد إلى التمشية بين صفوف المدرسة أملاً في أن نحرك دمائنا كي لا تتجمد من البرد , وتمشينا وحاولنا أن نسلي بعضنا ببعض الكلام عن الحلم الذي كان واقع , وفجأة جاء مصباح وبعض شباب السلاطين يقولون أن هناك صاروخ ضرب في مدرسة أسما التي في نفس مجمع المدارس التي تقع في السويدي , والنبأ عن استشهاد ثلاثة من شباب السلاطين , أخذ الكل يقوم بالهلوسة على من هم الثلاثة ويذكرون أسماء وهكذا إلا أن جاء الخبر المؤكد استشهاد عبد سمير وروحي جمال وحسين محمود " السلطان" , يا إلهي لقد استشهدوا داخل المدرسة ونحن خرجنا من المدرسة ومشينا مسافة كبيرة ولم يحصل لنا شيء , كم هو غريب فعلاً!؟ .

لم يكن استشهاد 3 بالخبر السهل من الشباب الذين لم يتجاوزوا ال24 عاماً , وعبد سمير كان في نفس المرحلة الدراسية 18 عاماً فقط , ودرسنا أنا وهو في مدرسة واحدة , والآن كان كأنه لم يكن ولم يترك لأهله وأصدقائه ومن يحبه ومن يعرفه سوى الذكريات التي رافقته في حياته القصيرة .

كان بجوار صفنا الأستاذ أبو علي وأخواته منصور وحسين , كانوا يرجفون من البرد لدرجة أنهم خلعوا بعض خشب البنوك ليولعون النار ليتدفئون ! ولكن سرعان ما خنقهم الدخان وخنق الأطفال الذين لا يوجد عليهم إلا حرام رقيق جداً ولا يوجد غيره , ليلة لم أرى في حياتي مثلها كنا ننتظر الصباح على أحر من الجمر لكي نستدفئ على أشعة الشمس , وفعلاً جاء الصباح ونحن لم ننم دقيقة , ونزلنا نستدفئ على أشعة الشمس كأنها الجنة , وبعد ذلك غيرنا مكان الصف من الطابق الثاني إلى الطابق الأرضي ولكن عند الباب الرئيسي في مدرسة جانبها يفصل بينها باب , وفعلاً جلسنا فيها وكانت أصغر حجماً وذهب عبد وإحسان لإحضار النساء والبنات , وفعلاً جاءوا ويا ليتهم لم يأتوا فقد بدءوا في البكاء على هذا المكان القرِف , وكلهم في غرفة صغيرة , ما هذا , وبعدها جاء عادل زوج عمتنا هو وعمتنا إلى الغرفة نفسها وجلسوا عندنا , وبعدها جاء وسيم , وجلسنا نحضر ليلة قادمة وهل ستكون باردة كتلك أم لا , قامت الوكالة بتوزيع بعض الأحرمة ولكنها لا تكفي , فذهب كلُُ منا إلى صديق يحضر من عنده غطاء يحميه من البرد , وفعلاً كان الوضع جيد , فقد أتى رياض بالعديد من الأغطية الجديدة من مخزن مستشفى النصر " مكان عمله" وقضيت خالتي رانيا ونهى زوجة إحسان وخالتي عفاف في وولاء وشروق وهبه في حالة من البكاء المستمر من دون انقطاع , وأنا كنت بعيد عن أهلي وذلك لأنه يتواجد عمي أكرم هناك هو وزوجته وأولاده , وكرهي لهم لا يطاق فأذهب إلى الموت أسهل لي أن أنام معهم , ولكني كنت أذهب لأطمئن عليهم بين الفينة والأخرى , وأذهب إلى غرفة عبد , وفعلاً كنا جميعاً يد واحده وتقاسمنا الطعام والشراب , ولكن المشكلة الكبرى هي الذهاب إلى الحمام , الحمام قذر جداً , ولدرجة لا يمكن تصورها , وأموت أهون علي أن أدخلها , كانت مشكلة عظمى , قام عبد بتدبير الأمر بتنظيف حمام خارجي وحجزه لتدبير أمورهم بهِ , لكني لم أدخله ولم يدخله أحد من الشباب , فكانت مشكلة كبيرة جداً تهون عن كل المشاكل , كان في غرفتنا 49 شخص ليسوا بالحجم القليل , وقمنا بالتسجيل وأتت المعلبات , وكنا نأكل أكل غير صحي , فالمعلبات فطور وغذاء وعشاء يعمل سوء تغذية , لم يكن أي نفس لتذوق الطعام , فقد كان شبابنا وأصدقائنا في أرض الميدان يقاومون ويمنعون تقدم الدبابات , هنا ماتوا 3 فكيف هناك بين الدبابات والطائرات , وتوالت الأيام وبدأنا بالتأقلم مع الوضع , وجاء خبر استشهاد أبو رائد , كان خبر صادم لأنه رجل كبير ومات في أرض المعركة , وزوج أخت جدتي , فكانت مشكلة كبيرة , وتوالت الأيام وكل يوم نحلم بالرجوع إلى بيتنا , وغير متفائلين إن كان سيظل بيت نلجئ بهِ أم لا , بل عدم وجود بيت كانت نسبته أكبر من وجود البيت , لأن بعد رحيل المنطقة أصبح المقاومين في البيوت , ودبابات وطائرات العدو يضربون المنازل بشكل عشوائي وإسقاط قنابل الفسفور فوق المنازل , (وأنا نعست جداً وأنا بكتب واليوم إجت الكهربا وهىىىىىى ) 2-4-2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق